فصل: ذكر من مات في هذه السنين من الأمراء المشهورين والأعيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.ذكر من مات في هذه السنين من الأمراء المشهورين والأعيان:

مات الأمير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك، ولما دخلوا على أستاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم، كان هو إذ ذاك خازنداره كما تقدم، فقال المترجم بأعلى صوته: الصنجق طيب هاتوا السلاح، فكانت هذه الكلمة سبباً لهزيمة القاسمية وإخمادهم إلى آخر الدهر، وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة. ثم أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع إليه محمد بك قطامش وأرباب الحل والعقد، وأرسلوا إلى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا أمورهم وقتلوا القاسمية الذين وجدوهم في ذلك الوقت. ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع وأربعين، وكان أمير الحاج رضوان بك أرسل إلى محمد بك قطامش فعرفه ذلك، فأجتمع الأمراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب، فقال المترجم أنا أذهب إليهم وأخلص من حقهم وأنقذ الحجاج منهم، ولاآخذ من الدولة شيئاً بشرط أن أكون حاكم جرجا عن سنة ثمان وأربعين، فأجابوه إلى ذلك وألبسه الباشا قفطاناً وقضى أشغاله في أسرع وقت، وخرج في طوائفه ومماليكه وأتباع أستاذه وتوجه إلى العقبة وحارب العرب حتى أنزلهم من الحلزونات، وأجلاهم وطلع أمير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة، ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم. ولما دخل توت سافر إلى ولاية جرجا فأقام بها أياما ومات هناك بالطاعون.
ومات الأمير مصطفى بك بلغيه تابع حسن أغا بلغيه تقلد الإمارة والصنجقية في أيام إسمعيل بك ابن إيواظ سنة 1135 لم يزل أميراً متكلماً وصدراً من صدور أصحاب الأمر والنهي والحل والعقد، إلى أن مات بالطاعون على فراشه سنة 1148 ومات أيضاً رضوان أغا الفقاري وهو جرجي الجنس، تقلد اغاوية مستحفظان عندما عزل علي أغا المقدم ذكره في أواخر سنة 1118، ثم تقلد كتخدا الجاويشية ثم أغات جملية في سنة 1120 وكان من أعيان المتكلمين بمصر، وفر من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى إلى بلاد الروم، ثم رجع إلى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من أهل مصر بعدما بيعت بلاده، وماتت عياله، ومات له ولدان. فمكث بمصر خاملاً إلى سنة ست وثلاثين، ثم قلده إسمعيل بك بن أيواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوماً. ولما قتل إسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم إلى أبي قير خوفاً من حصول الفتن فأقام هناك ثم رجع إلى مصر وأستمر بها إلى أن مات في الفصل سنة 1148.
ومات كل من إسمعيل بك قيطاس وأحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي وإسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش قباجيه وأفندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وأفندي صغير مستحفظان وأحمد أوده باشا المطرباز ومحمد أغا ابن تصلق أغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان وأربعين.
ومات أحمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش، وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس، وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي، وكان أتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي، وجعل مملوكه علي ناظرا عليه ووصياً على تركته. ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتر دار سنة 1149 مع من مات كما تقد الألماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا.
ومات الأمير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير. تنقل في مناصب الوجاقات في أيام سيده وبعدها إلى أن تقلد الكتخدائية ببابه وصار من أرباب الحل والعقد وأصحاب المشورة، وأشتهر ذكره ونما صيته وخصوصاً لما تغلبت الدول وطهرت الفقارية. ولما وقع الفصل في سنة ثمان وأربعين ومات الكثير من أعيان مصر وأمرائها غنم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالأزبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع وأربعين، وحصلت الصلاة فيه ووقع به ازدحام عظيم حتى أن عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخراً فلم يجد له محلاً فيه فرجع وصلى بجامع أزبك. وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الأعيان، وعمل سماطاً عظيماً في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب، وخلع في ذلك اليوم على حسن أفندي ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس وأرباب الوظائف خلعا وفرق على الفقراء دراهم كثيرة وشرع في بناء الحمام بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب، وبنى زاوية العميان بالأزهر ورحبة رواق الأتراك والرواق أيضاً ورواق السليمانية، ورتب لهم مرتبات من وقفه، وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظراً ووصياً وألبسه الضلمة. ولم يزل عثمان كتخدا أميراً ومتكلماً بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتر دار مع أن الجمعية كانت باطلاعه ورأيه ولم يكن مقصوداً بالذات في القتل.
ومات الأمير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك إبراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك الفقاري، تولى الإمارة والصنجقية في حياة أستاذه وتقلد إمارة الحج سنة خمس وعشرين، وطلع بالحج مرتين، وتقلد أيضاً إمارة الحج سنة 1146و 1148، لما قتل عابدي باشا أستاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك في بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار أستاذه ولم يتم له أمر، وهرب إلى بلاد الروم فأقام هناك إلى أن ظهر ذو الفقار في سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هارباً من مصر، فأرسل عند ذلك أهل مصر يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره إلى مصر فأحضروه وأرسلوا إلى مصر وأنعموا عليه بالدفتر دارية. ولما وصل إلى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندي، فعند ذلك تقلد الدفتر دارية وظهر أمره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقاً وكذلك اشراقه إبراهيم بك. ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية وذلك سنة ثلاث وأربعين. وبعد قتل ذي الفقار بك صار المترجم أعظم الأمراء المصرية وبيده النقض والأبرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وإبراهيم بك، ولم يزل أميراً مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتر دار كما تقد، وقتل معه أيضاً من أمرائه علي بك وصالح بك.
ومات معهم أيضا يوسف كتخدا البركاوي وكان أصله جربجيا بباب العزب، وطلع سردار بيرق في سفر الروم، ثم رجع إلى مصر فأقام خاملاً قليل الحظ من المال والجاه، فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار وأجتمع محمد باشا وعلي باشا والأمراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي، وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول، وضاق الحال عليهم بسبب ذلك، فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية، وطلع عند الباشا والأمراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بأنه يفرد قايبر بمائة نفر وأوده باشه، ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين، وهو يملك بيت قاسم بك،ويفتح الطريق فأعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك، وجرى بعد ذلك ما جرى. ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من ذلك الوقت وأشتهر ذكره وعظم صيته. وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتر دار.
ومات الأمير قيطاس بك الأعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره تقلد الإمارة في أيام أستاذه كان المترجم مسافراً بالخزينة ونازلاً بوطاقه بالعادلية، وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلاً بسبيل علام، فلما بلغه قتل أستاذه ركب هو وعثمان بك بارم ذيله وأتيا إليه وطلباه للقيام معهما في طلب ثار أستاذهم، فلم يطاوعهما على ذلك وقال: إنا معي خزينة السلطان وهي في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الأمر الفارغ وفيكم البركة. وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له أمر وخرج بعد ذلك هارباً من مصر ولحق بقيطاس بك المذكور، وسافر معه إلى الديار الرومية وأستمر هناك إلى أن رجع كما ذكر، وعاد المترجم سنة اثنتين وأربعين وتوفي بمنى ودفن هناك.
ومات الأمير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفى سنة 1124. تنقل في الإمارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من أعيان الأمراء بمصر وأرباب الحل والعقد ولما أنقضت الفتنة الكبيرة وطلع إسمعيل بك بن إيواظ إلى باب العزب وقتل عمر أغا أستاذ ذي الفقار بك وأمر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور أستجار بالمترجم وكان بلديه وكان إذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا، فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم، فلم يزل يراعي له ذلك حتى أن يوسف كتخدا البركاوي أنحرف منه في أيام إمارة ذي الفقار وأراد غدره وأسر بذلك إلى ذي الفقار بك فقال له: كل شيئ أطاوعك فيه إلا الغدر بعلي كتخدا فإنه كان السبب في حياتي وله في عنقي ما لا أنساه من المنن والمعروف وضمانة علي في كل شيء. وقلده الكتخدائية، وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو أن محمد أغا مملوك بشير أغا القزلار أستاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسنمى منصور الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف، وكان متمولاً وله ابنة تسمى خديجة، فخطبها محمد أغا لمملوكه حسن أغا أستاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية. وسبب قتل المترجم ماذكر في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد أيقاع الفتنة وأتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم، وهم المشار إليهم إذ ذاك في رياسة مصر. وأتفق عمر بك مع خليل بك وأحمد كتخدا عزبان البركاوي وإبراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل أحد المذكورين، فكان أحمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم، فأحضر شخصاً يقال له لاظ إبراهيم من أتباع يوسف كتخدا الركاوي وإغراه بذلك، فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي، ففعل ذلك ووقف مع من أختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع إلى الديوان وأرسل إبراهيم جاويش إنساناً من طرفه سراً يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة أحمد كتخدا فإنه عازم على قتلك. وبعد ساعة حضر إليه أحمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي: خذ من الخازندار الفلاني ألف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة. فأخذ الكاتب في كيس وسبقه إلى الباب وركب مع أحمد كتخدا وإبراهيم جاويش وخلفهم حسنكتخدا الرزاز وأتباعهم، فلما وصلوا إلى المكان المعهود خرج لاظ إبراهيم وتقدم إلى المترجم كأنه يقبل يده فقبض علي يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط إلى الأرض وأطلق باقي الجماعة ما معهم من آلات النار. وعبقت الدخنة فرمح ابن أمين البحرين وذهب إلى بيته وطلع أحمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز إلى الباب. ولما سقط على كتخدا سحبوه إلى الخربة وفيه الروح فقطعوا رأسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا إلى الباب وعندما طلع أحمد كتخدا واستقر بالباب أخذ الألف محبوب من الكاتب وطرده، وأقترض من حسن كتخدا المشهدي ألف محبوب أيضاً وفرق ذلك على من الباب من أوده باشية والنفر. ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر الكبير الذي بناحية الشيخ قمر المعروف بقصر الجلفي وكان في السابق قصراً صغيراً يعرف بقصر القبرصلي، وأنشأ أيضاً القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الأمير صالح الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202، وباع أنقاضه، وله غير ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله.
ومات أحمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لأنه اشراق يوسف كتخدا البركاوي. وخبر قتله أنه لما تم ما ذكر ونزول أحمد كتخدا من باب العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه أتباع عثمان بك ندم على تفريطه ونزوله، وعثمان بك يقول:لابد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي إلى الحج وإلا أرسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثار المرحوم. وأرسل إلى جميع الأعيان والرؤساء بأنهم لا يقبلوه، وطاف هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم أحد، فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة محمد كتخدا الطويل، فاجتمع الاختيارية والأعيان ببيته لحضور مشهده، فدخل عليهم أحمد كتخدا في بيت المتوفى وقال: إنا في عرض هذا الميت. فقال له: أطلع إلى المقعد وأجلس به حتى نرجع من الجنازة. فطلع إلى المقعد كما أشاروا إليه وجلس لاظ إبراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين، فلما خرجوا بالجنازة إغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقاموا مماليك أحمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلاً مغربياً وفراشاً وحماراً. فأرسل عثمان بك إلى رضوان بك كتخدا يأمره بإرسال جاويش ونفر وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته ففعل ذلك، فلما وصلوا إلى هناك ويقدمهم أبو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه، فأخبرهم بعض الناس وقال بهم الذي مرادكم فيه دخل بيت الطويل فأتوا إلى الباب فوجدوه مغلقاً من خارج فطلبوا حطباً وأرادوا أن يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في البيت من النهب فقتلوا لاظ ابراهيم ومن معه وطلعوا إلى أحمد كتخدا فقتلوه أيضاً وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية، فقطعوا رأسه وأخذوها إلى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاشيش، وقطع رجل ذراعه وذهب بها إلى الست الجلفية وأخذ منها بقشيشاً أيضاً. ورجع من كان في الجنازة وفتحوا الباب وأخرجوا لاظ إبراهيم ميتاً ومن معه وقطعوه قطعاً. واستمر حمد كتخدا مرمياً من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع.
ومات الأمير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظراً وصياً وكان جوخداره، ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج بمحظية أستاذه الست شويكار الشهيرة الذكر، ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن بن حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا سوى فائظ أربعة أكياس لا غير. وتواقع غبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده أحد فحنق منهم واتسلخ من بابهم وذهب إلى باب العزب وحلف أنه لا يرجع إلى باب الينكجرية مادام سليمان جاويش حياً. وكان المترجم صحبة أستاذه وقت المقتلة ببيت الدفتردار فانزعجوداخله الضعف ومرض القصبة، ثم انفصل من الجاويشية وعمل سردار قطار سنة إحدى وخمسين، وركب في الموكب وهو مريض وطلع إلى البركة في تختروان وصحبته الطبيب، فتوفي بالبركة وأمير الحاج إذ ذاك عثمان بك ذو الفقار، وكان هناك سليمان آغا كتخدا لجاويشية وهو زوج أم عبد الرحمن جاويش، فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويش واستأذنه في إحضاره وأن يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا إليه وأحضروه ليلاً، وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية وأخذ عرضه من باب العزب، وطيب سليمان آغا خاطر الباشا بحلوان، وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش وأتباعه، وتسلم مفاتيح الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئاً كثيراً وبرفي قسمه ويمينه.
ومات الأمير محمد بك إسمعيل بك الدفتردار وقتل الأمراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن آغا بلغيه. وخبر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به أحد فمرضت والدته مرض الموت، فلهجت بذكر ولدها فذهبوا إليه وقنعوه وأتوا به إليها من المكان المختفي فيه بزي النساء، فنظرت إليه وتأوهت وماتت، ورجع إلى مكانه. وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت إلى آغا الينكجرية وأخبرته بذلك، فركب إلى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حماراً وطلعوا به إلى القلعة فرموا عنقه وكانوا نهبوا بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته أواخر 1149.
ومات عثمان كاشف ورضوان بك أمير الحاج سابقاً ومملوكه سليمان بك، فإنهم بعد الحادثة وقتل الأمراء المذكورين وانعكاس أمر المذكورين اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت إيواظ الذي هو السبب في ذلك، فاستمروا في أخفائهم مدة ثم أنهم دبروا بينهم رأياً في ظهورهم واتفقوا على إرسال عثمان كاشف إلى إبراهيم جاويش قازدغلي، فغطى رأسه بعد المغرب ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش، فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم فأخبره أنه بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعون لكم ويعرفون همتكم وقصدهم الظهور على أي وجه كان. فقال له نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام إلى بعد العشاء عندما أراد أن يقوم قال له اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة. فأرسل سراجاً إلى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف بأنه عنده، فأرسل إليه طائفة وسراجين وقفوا له في الطريق وقتلوه. ووصل الخبر إلى ولده ببيت أبي الشوراب فحضر إليه وواراه، وأخذ ولده المذكور إبراهيم جاويش وطلع في صبحها إلى الباب فأخبر أغات مستحفظان، فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم إلى الباشا فقطع رؤوسهم. وأما صالح كاشف فإنه قام وقت الفجر فدخل الحمام فسمع بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية، فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه إلى خان الخليلي. ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيافي وجهه فذهب إلى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج إليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداماً ومملوكاً راكباً حصاناً وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية، وكلما أمسى عليه الليل يبيت في بلد، حتى وصل عربان غزة. ثم ذهب في طلوع الصيف إلى اسلامبول ونزل في مكان. ثم ذهب عند دار السعادة وكان أصله من أبتاع والد محمد بك الدفتر دار فعرفه عن نفسه، فقال له: أنت السبب في خراب بيت ابن سيدي، واستأذن في قتله فقتلوه بين الأبواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الأختفاء كالباحث على حتفه بظلفه.
ومات الأمير خليل بك فطامش أمير الحاج سابقاً، تقلد الإمارة والصنجقية سنة تسع وأربعين وطلع بالحج أميراً سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في أمارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم. وكان أتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن، ومنع عوائد العرب وصادر التجار في أموالهم بطريق الحج. وكانت أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين. وكان الأمير عثمان بك ذو الفقار يكرهه ولا تعجبه أحواله، ولما وقع للحجاج ما وقع في أمارته ووصلت الأخبار إلى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب ذلك الراكب عن الحج في السنة الأخرى، أرسل مكتوباً إلى علماء مصر وأكابرهن ينقم عليهم في ذلك ويقول فيه: وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع، وضاقت من أجله الأرض على الخلائق، وتحمل من فيه أيمان لذلك ما ليس بطائق من تعدى أمير حجكم على عباد الله وإظهار جرأته على زوار رسول الله، فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعديه الحدود، وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد والنهاية، فيالها من مصيبة ما أعظمها ومن داهية دهماء ما أجسمها، فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم يهان أو يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة والسلام، وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وأفصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك، فيا للعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من أعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها. فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام إلى آخر ما قال، فلما وصل الجوار وأطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب، وأبدع فيما أودع من درر وغرر تسلب عقول أولي الألباب، يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام: ينهي بعد أبلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط أرض الود وطما، أن كتابكم الذي خصصتم الخطاب به إلى ذوي الأفاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة الصديقية أخواننا مشايخ السلسلة البكرية، تشفت أنظارنا بمطالعة معانيه الفائقة والتقطت أنامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي أدرجتم فيها ما أرتكبه أمير الحاج السابق في الديار المصرية في مق قصاد بيت الله الحرام وزوار روضة النبي الهاشمي عليه أفضل الصلاة والسلام. فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل أكثر مما تحويه بطون السطور، لكن الزارع لا يحصد إلا من جنس زرعه في حزن الأرض وسهله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، لأن الشقي المذكور لما تجاسر إلى بعض المنكرات في السنة الأولى حملناه إلى جهالته وأكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون هدايته، فلم تفد في السنة الثانية إلا الزيادة في العتو والفساد، ومن يضلل الله فما له من هاد. ولما تيقنا أن التهديد بغير الأيقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد، هممنا باسقائه من حميم جراء أفعاله، لآن كل أحد من الناس مجزى بأعماله، فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنا بقيتهم بأنواع الخزي إلى الصحاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري، وولينا إمارة الحج من الأمراء المصريين من وصف بين أقرانه بالأنصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة. والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصاً من جماعة ركبوا غارب الأغتراب بقصد زيارة البلد الأمين. فإن كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقد أنقضى أوان غدره على ماشرحناه وصار كرماد أشتدت به الريح في يوم عاصف، والحمد لله معى ما منحنا من نصرة المضلومين وأقدرنا على رغم أنوف الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين، والحمد لله رب العالمين، تحريراً في سادس عشر المحرم أفتتاح سنة 1161. وأجاب أيضاً الأشياخ بجواب بليغ مطول أعرضت عن ذكره لطوله، ومات خليل بك المذكور قتيلاً في ولاية راغب باشا سنة 1160، قتله عثمان أغا أبو يوسف القلعة، وقتل معه أيضاً عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كان تولى الصنجقية وسافر باخزينة سنة سبع وخمسين عوضاً عن عمر بك ابن علي بك، ونزلت البيارق والعسكر والمدافع لمحاربة إبراهيم بك وعمر بك وسليمان بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر إلى قبلي ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وتعض من هم من عصبتهم. مر بك وسليمان بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر إلى قبلي ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وتعض من هم من عصبتهم.
ومات محمد بك المعروف باباظة، وذلك أنه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك المذكور إلى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية استقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية، فوصل خبره إلى إبراهيم جاويش، فأرسل إليه أغات الينكجرية فرمى عليه بالرصاص وحاربه. وحضر أيضاً بعض الأمراء الصناجق فلم يزل يحاربهم حتى فرغ ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة.
وما الأجل الأمثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والإمارة والتجارة، وسبب موته أنه نزلت بانثييه نازلة فأشاروا عليه بفصدها وأحضروا له حجاماً ففصده فيها، بمنزله الذي خلف جامع الغورية. ثم ركب إلى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة. وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصدلم يصادف المحل، فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الأنثيين ونزل منه دم كثير. فقال له: قتلتني أنج بنفسك. وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة السبت ثاني عشر ربيع الآخرة سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه إلى أخيه سيدي أحمد فأمرهم باطلاقه، فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والأغوات والاختيارية والكواخي، حتى عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشياً إمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين.
ومات الأمير حسن بك المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة إلى الديار الرومية فتوفي بعد وصوله إلى اسلامبول وتسليمه الخزينة بثلاثة أيام، ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه أمارته، وذلك في أوائل جمادى الأولي سنة 1148.
ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان والياً في مصر في سنة 1143 وقد تقدم أنه من أرباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والأدبيات والقراءات، تلا القرآن على الشهاب الأسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة.